السلام عليكم يا اخوتي ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف و شكرا
تاريخ:
1/1/15
عدد المشاهدات:
4381
رقم السؤال:
15717
ما حكم إحياء ذكرى المولد النّبوي الشريف؟
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ذهب جمهور العلماء إلى القول باستحباب إحياء يوم مولده صلّى الله عليه وسلّم بالذكر والصلاة عليه والمدائح والشكر والابتهالات، مع التأكيد على حرمة ممارسة البدع وتتبع الخرافات في مثل هذا اليوم المبارك الشريف الذي تتجلى فيه نفحات الله تعالى، وإليك بعض أقوال بعض أهل العلم الثقات في المسألة:
- عقد الإمام الحافظ السيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوى" بابا سماه "حسن المقصد في عمل المولد" (ص189)، قال في أوله: وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول، ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أم مذموم؟ وهل يثاب فاعله أم لا؟
والجواب عندي: "أن أصل عمل المولد، الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، والأخبار الواردة في بداية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما وقع له من الآيات، ثم يُمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك - هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح بمولده الشريف ".
ثمّ قال الحافظ السيوطي في نفس المرجع السابق ما نصه: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجّى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال: وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة". انتهى كلامه رحمه الله.
- الحافظ ابن رجب الحنبلي: قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "لطائف المعارف" فيما لمواسم العام من الوظائف، باب ذكرى مولده صلّى الله عليه وسلّم (ص98): فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده، فإنّ أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) (آل عمران: 164)، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب
مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر". انتهى.
وقد ثبت ذلك في البخاري برؤيا رآها العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث روى البخاري في صحيحه.... قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَت النبيّ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي (ثُوَيْبَةَ).
قال ابن حجر في "الفتح"، ذكر السهيلي أنّ العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته، فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلاّ أنّ العذاب يخفّف عني كل يوم اثنين، وذلك أنّ النبيّ ولد يوم الإثنين فبشرت ثويبة – مولاة أبي لهب- بمولد صلّى الله عليه وسلّم فأعتقها.
وقال الإمام أبو شامة (شيخ الحافظ النووي): قال في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص23) ما نصه: "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكرا لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين" أهـ.
وقال الإمام الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري): حيث قال في كتابه: "المواهب اللدنية" (1-148- طبعة المكتب الإسلامي) ما نصه: "فرحم الله امرأً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء". أهـ
ولعلّ في قوله صلّى الله عليه وسلّم الذي أخرجه مسلم في صحيحه (2/819) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي". إشارة إلىتعظيم يوم مولده الشريف.
فالفرح به صلّى الله عليه وسلّم مشروع بل مستحب، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) (يونس: 58)، قال فضيلة الشيخ مانع الحميري: فالله عز وجل طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة، وقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم، ورحمته النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) انتهى.
وذكر الرحمة في الآية بعد الفضل تخصيص بعد العموم المذكور، وهو يدل على شدة الاهتمام، ومجيء اسم الإشارة "ذلك" لأكبر الأدلة على الحض على الفرح والسرور لأنه إظهار في موضع الإضمار، وهو يدل على الاهتمام والعناية.
ولذلك قال الألوسي في "روح المعاني" (10/141) عند قوله تعالى: (فبذلك فليفرحوا) (الآية) للتأكد والتقرير، بعد أن رجح كون الرحمة المذكورة في الآية هي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: والمشهور وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الآية) انتهى. [وينظر تفسير أبي السعود (4/156].
وفي قوله تعالى: { وذكِّرْهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور }، إشارة إلى استحباب إحياء يوم مولده صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرج النسائي، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"، والبيهقي في "شعب الإِيمان" عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه، وولادة النبي نعمة كبرى .
والخلاصة: أَنَّ مَن احتفل بيوم مولده صلّى الله عليه وسلّم؛ فسرد سيرته العطرة وذكّر بمناقبه العلية، ولَم يُلبِسه بِشَيءٍ مُنافٍ للشَّرعِ من البدع المذمومة، كالاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، والموسيقى والتمسح بالقبور والمقامات...، فإنّ فعله ذلك مأجور عليه إن شاء الله تعالى لأنّ الله تعالى أمرنا أن نعظّم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا }.
ولا عبرة بقول من يقول: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يُقم احتفالا لذكرى مولده ولا الصحابة من بعده، وذلك لأنّ القاعدة الأصولية تقول: "لا يُحتجّ بالترك"، أي كونه لم يفعله لا يعني ذلك عدم الجواز طالما أنّ له أصلا في الدّين، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما أخبرت السيدة عائشة ما زاد على إحدى عشرة ركعة في ليلة، ومع ذلك فقد صلّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه التراويح عشرين ركعة وأقره على ذلك الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فكان محلّ إجماع، والأدلة على ذلك أكبر من أن تحصر .
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء